فصل: غلبة الكرواني على مرو وقتله الحرث بن شريح.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.غلبة الكرواني على مرو وقتله الحرث بن شريح.

لما ولي مروان وولى على العراق يزيد بن عمر بن هبيرة كتب يزيد إلى نصر بعهده على خراسان فبايع لمروان بن محمد فارتاب الحرث وقال: ليس لي أمان من مروان وخرج فعسكر وطلب من نصر أن يجعل الأمر شورى فأبى وقرأ جهم بن صفوان مولى راسب وهو رأس الجهمية سيرته وما يدعو إليه على الناس فرضوا وكثر جمعه وأرسل إلى نصر في عزل سالم بن أحور عن الشرطة وتغيير العمال فتقرر الأمر بينهما على أن يردوا ذلك إلى رجال أربعة: مقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان بتعيين نصر والمغيرة بن شعبة الجهضي ومعاذ بن جبلة بتعيين الحرث وأمر نصر أن يكتب بولاية سمرقند وطخارستان لمن يرضاه هؤلاء الأربعة وكان الحرث يقول إنه صاحب السور وإنه يهدم سور دمشق ويزيل ملك بني أمية فأرسل إليه نصر: إن كان ما تقوله حقا فتعال نسير إلى دمشق وإلا فقد أهلكت عشيرتك فقال الحرث: هو حق لكن لا تبايعني عليه أصحابي قال: فكيف تهلك عشرين ألفا من ربيعة واليمن؟ ثم عرض عليه ولاية ما وراء النهر ويعطيه ثلثمائة ألف فلم يقبل فقال له: فابدأ بالكرماني فاقتله وأنا في طاعتك ثم اتفقا على تحكيم جهم ومقاتل فاحتكما بأن يعزله نصر ويكون الأمر شورى فأتى نصر فخالفه الحرث وقدم على نصر جمع من أهل خراسان حين سمعوا بالفتنة منهم عاصم بن عمير الضمريمي وأبو الديال الناجي ومسلم بن عبد الرحمن وغيرهم فكانوا معه وأمر الحرث أن يقرأ سيرته في الأسواق والمساجد وأتاه الناس وقرئت على باب نصر فضرب غلمان نصر قارئها فنادى بهم وتجهزوا للحرب ونقب الحرث سور مرو من الليل ودخل بالنهار فاقتتلوا وقتل جهم بن مسعود الناجي وأعين مولى حيان ونهبوا منزل مسلم بن أحور فركب سالم حين أصبح فقاتل الحرث وهزمه وجاء إلى عسكره فقتل كاتبه وبعث نصر إلى الكرماني وكان في الأزدو ربيعة كان موافقا للحرث لما قدمناه فجاءه نصر على الأمان وحادثهم وأغلظوا له في القول فارتاب ومضى وقتل من أصحابه جهم بن صفوان ثم بعث الحرث ابنه حاتما إلى الكرماني يستجيشه فقال له أصحابه: دع عدويك يضطربان ثم ضرب بعد يومين وناوش القتال نصر فهزمهم وصرع تميم بن نصر ومسلم بن أحور وخرج نصر من مرو من الغد فقاتلهم ثلاثة أيام وانهزم الكرماني وأصحابه ونادى مناد يا معشر ربيعة واليمن إن أبا سيار قتل فانهزمت مضر ونصر وترجل ابنه تميم فقاتل وأرسل إليه الحرث إني كاف عنك فإن اليمانية يعيرونني بانهزامكم فاجعل أصحابك إزاء الكرماني ولما انهزم نصر غلب الكرماني على مرو ونهب الأموال فأنكر ذلك عليه الحرث ثم اعتزل عن الحرث بشر بن جرموز الضبي في خمسة آلاف وقال: إنما كنا نقاتل معك طلبا للعدل فأما إن اتبعت الكرماني للعصبية فنحن لا نقاتل فدعا الحرث الكرماني إلى الشورى فأبى فانتقل الحرث عنه وأقاموا أياما ثم ثلم الحرث السور ودخل البلد وقاتله الكرماني قتالا شديدا فهزمه وقتله وأخاه سوادة واستولى الكرماني على مرو وقيل إن الكرماني خرج مع الحرث لقتال بشر بن جرموز ثم ندم الحرث على اتباع الكرماني وأتى عسكر بشر فأقام معهم وبعث إلى مضر من عسكر الكرماني من عسكر الكرماني فساروا إليهم وكانوا يقتتلون كل يوم ويرجعون إلى خنادقهم ثم نقب الحرث بعد أيام سور مرو ودخلها وتبعه الكرماني واقتتلوا فقتل الحرث وأخاه وبشر بن جرموز وجماعة من بني تميم وذلك سنة ثمان وعشرين ومائة فانهزم الباقون وصفت مرو لليمن وهدموا دور المضرية.

.ظهور الدعوة العباسية بخراسان.

قد ذكرنا أن أبا مسلم كان يتردد إلى الإمام من خراسان ثم استدعاه سنة تسعة وعشرين ليسأله عن الناس فسار في سبعين من النقباء مؤدين بالحج ومر بنسا فاستدعى أسيدا فأخبره بأن كتب الإمام جاءت إليه مع الأزهر بن شعيب وعبد الملك بن سعيد ودفع إليه الكتب ثم لقيه بقومس كتاب الإمام إليه وإلى سليمان بن كتير إني قد بعثت إليك براية النصر فارجع من حيث يلقاك كتابي ووجه قحطبة إلى الإمام بما معه من الأموال والعروض وجاء أبو مسلم إلى مرو وأعطى كتاب الإمام لسليمان بن كثير وفيه الأمر بإظهار الدعوة فنصبوا أبا مسلم وقالوا رجل من أهل البيت ودعوا إلى طاعة بني العباس وكتبوا إلى الدعاة بإظهار الإمر وترك أبو مسلم بقرية من قرى مرو في شعبان من سنة تسع وعشرين ثم بثوا الدعاة في طخارستان ومرو الروذ والطالقان وخوارزم وأنهم إن أعجلهم عدوهم دون الوقت عاجلوه وجردوا السيوف للجهاد ومن شغله العدو عن الوقت فلا حرج عليه أن يظهر بعد الوقت ثم سار أبو مسلم فنزل على سليمان بن كثير الخزاعي آخر رمضان ونصر بن سيار يقاتل الكرماني وشيبان فعقد اللواء الذي بعث به الإمام إليه وكان يدعى الظل على رمح طوله أربعة عشر ذراعا ثم عقد الراية التي بعثها معه وتسمى السحاب وهو يتلو: أذن للذين يقاتلون الآية ولبسوا السواد هو وسليمان بن كثير وأخوه سليمان ومواليه ومن أجاب الدعوة من أهل تلك القرى وأوقدوا النيران ليلتهم لشيعتهم في خرقان فأصبحوا عنده ثم قدم عليه أهل السقادم مع أبي الوضاح في سبعمائة راجل وقدم من الدعاة أبو العباس المروزي وحصن أبو مسلم بسفيدنج ورمها وحضر عيد الفطر فصلى سليمان بن كثير وخطب على المنبر في العسكر وبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة وكبر في الأولى ست تكبيرات وفي الثانية خمسا خلاف ما كان بنو أمية يفعلون وكل ذلك مما سنه لهم الإمام وأبوه ثم انصرفوا من الصلاة مع الشيعة فطمعوا وكان أبو مسلم وهو في الخندق إذا كتب نصر بن سيار يبدأ بإسمه فلما قوى بمن اجتمع إليه كتب إلى نصر وبدأ بنفسه وقال: أما بعد فإن الله تباركت أسماؤه عير قوما في القرآن فقال: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير} إلى {ولن تجد لسنة الله تحويلا} فاستعظم الكتاب وبعث مولاه يزيد لمحاربة أبي مسلم لثمانية عشر شهرا من ظهوره فبعث إليه أبو مسلم مالك الهيثم الخزاعي فدعاه إلى الرضا من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستكبروا فقاتلهم مالك وهو في مائتين يوما بكماله وقدم على أبي مسلم صالح بن سليمان الضبي وإبراهيم بن يزيد وزياد بن عيسى فسرحهم إلى مالك فقوي مالك بهم وقاتلوا القوم فحل عبد الله الطائي على يزيد مولى نصر فأسره وانهزم أصحابه وأرسله الطائي إلى أبي مسلم ومعه رؤوس القتلى فأحسن أبو مسلم إلى يزيد وعالجه ولما اندملت جراحه قال: إن شئت أقمت عندنا وإلا رجعت إلى مولاك سالما بعد أن تعاهدنا على أن لا تحاربنا ولا تكذب علينا فرجع إلى مولاه وتفرس نصر أنه عاهدهم فقال: والله هو ما ظننت وقد استحلفوني أن لا أكذب عليهم وأنهم الله يصلون الصلاة لوقتها بأذان وإقامة ويتلون القرآن ويذكرون الله كثيرا ويدعون إلى ولاية آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أحسب أمرهم إلا سيعلو ولولا أنك مولاي لأقمت عندهم وكان الناس يرجفون عنهم بعبادة الأوثان واستحلال الحرام ثم غلب حازم بن خزيمة على مرو الروذ وقتل عامل نصر بها وكان من بني تميم من الشيعة وأرادوا بنو تميم منعه فقال: أنا منكم فإن ظفرت فهي لكم وإن قتلت كفيتم أمري فنزل قرية زاها ثم تغلب على أهلها فقتل بشر بن جعفر السغدي عامل نصر عليها أوائل ذي القعدة وبعث بالفتح إلى أبي مسلم مع ابنه خزيمة بن حازم وقيل في أمر أبي مسلم غير هذا وأن إبراهيم الإمام أزوج أبا مسلم لما بعثه خراسان بابنه أبي النجم وكتب إلى النقباء بطاعته وكان أبو مسلم من سواد الكوفة فهزما فانتهى لإدريس بن معقل العجلي ثم سار إلى ولاية محمد بن علي ثم ابنه إبراهيم ثم للأئمة من ولاية من ولده وقدم خراسان وهو حديث السن واستصغره سليمان بن كثير فرده وكان أبو داود خالد بن إبراهيم غائبا وراء النهر فلما جاء إلى مرو أقرأه كتاب الإمام وسألهم عن أبي مسلم فأخبروه أن سليمان بن كثير رده لحداثة سنه وأنه لا يقدر على الأمر فنخاف على أنفسنا وعلى من يدعوه فقال لهم أبو داود: إن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم إلى جميع خلقه وأنزل عليه كتابه بشرائعه وأنبأه بما كان وما يكون وخلف علمه رحمة لأمته وعمله إنما هو عند عترته وأهل بيته وهم معدن العلم وورثة الرسول فيما علمه الله أتشكون في شيء من ذلك قالوا: لا قال: فقد شككتم والرجل لم يبعثه إليكم حتى علم أهليته لما يقوم به فبعثوا عن أبي مسلم وردوه من قومس بقول أبي داود وولوه أمرهم وأطاعوه ولم تزل في نفس أبي مسلم من سليمان بن كثير ثم بعث الدعاة ودخل الناس في الدعوة أفواجا واستدعاه الإمام سنة تسع وعشرين أن يوافيه بالمرسوم ليأمره في إظهار الدعوة وأن يقدم معه قحطبة بن شبيب ويحمل ما اجتمع عنده من الأموال فسار في جماعة من النقباء والشيعة فلقيه كتاب الإمام بقومس يأمره بالرجوع وإظهار الدعوة بخراسان وبعث قحطبة بالمال وأن قحطبة سار إلى جرجان واستدعى خالد بن برمك وأبا عون فقدما بما عندهما من مال الشيعة فسار به نحو الإمام.